الاثنين، 9 سبتمبر 2013

لغة الحب والعيون عند العرب


لغة الحب والعيون عند العرب

كان ذكر الحبيبة في كلام الحبيب سواء كان شعرا أو غير شعر نوعا من الفضيحة التي تلحق بأهل الفتاة يشوه سمعتها ويقلل من هيبتها بين بقية القبائل حتى أنه إذا عرفت القبيلة أن شخصا عرض لذكر فتاة من فتياتها في حديثه أو شعره حرموا عليه الزواج منها ومنعوه من رؤيتها أبد الدهر لذلك كان الحديث عن خلجات القلب يتم بعيدا عن آذان المستمعين والواشين لذلك كانت وسيلة الوصل وآلة الكلام بين الأفئدة هي العيون لما تمتاز بخاصة الستر والراحة
" ولولا وحي العيون ما استودع سر "
وجاءت أشعار العرب تعبر عن هذه اللغة الخاصة بدلالاتها النفسية والاجتماعية

قال ابن الأعرابي:
العين تبدي الذي في قلب صاحبها
من الشناءة أو ود إذا كانا
إن البغيض له عين يصد بها
لا يستطيع لما في الصدر كتمانا
العين تنطق والأفواه ساكنة
حتى ترى من ضمير القلب تبيانا

والعين تقول بطريقتها وتقول على سجيتها وتتجاوز اللسان في صدق خبرها:
متى تك في عدو أو صديق
تخبرك العيون عن القلوب

والعين تنادي العين فتتعدى التعبير الانفعالي:
دعا طرفه طرفي فأقبل مسرعا
فأثر في خديه فاقتص من قلبي
شكوت إليه ما ألاقي من الهوى
فقال على رغم فتنت فما ذنبي

ويذوق ابن الفارض حلاوة النظرة جريا على مذاق حلاوة الكلمة:
حديثه أو حديث عنه يطربني
هذا إذا غاب أو هذا إذا حضرا
كلاهما حسن عندي أسر به
لكن أحلاهما ما وافق النظرا

وفي أجمل ما قيل عن كلام العين حيث امتزاج الإشارة بالكلمة بالصوت فتبدو لغة العين وكأنها لغة حيقية تسمع وترى في قول عمر بن أبي ربيعة:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
إشارة محزون ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال: مرحبا
وأهلا وسهلآ بالحبيب المتيم

قال أحد الشعراء:
لعمري ما استودعت سري وسرها
سوانا حذار أن تشيع السرائر
ولا خاطبتها مقلتاي بنظرة
فتعلم نجوانا العيون النواظر
ولكني جعلت اللحظ بيني وبينها
رسولا فأدى ما تجن الخواطر

وعين الحبيبة تفعل في الحبيب فعل السحر فهي تطير به إذا شاءت وتلقيه من أعلى إن أرادت فهي النعيم والعذاب في آن معا يقول ابن الرومي:
نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها
ثم انثنت عنه فكاد يهيم
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت
وقع السهام ونزعهن أليم

وحين تبخل العين على المحبوب فإنها لا تدري أي ذنب ارتكبت لهذا يلجأ الحبيب إلى الحبيبة لعلها تنقذه مما هو فيه من عذاب قال أبو جعفر الأندلسي:
لو كنت تعلم ما عيناك قد صنعا
لما بخلت على المشتاق بالأمل
لكن بخلت فلم تعلم بما صنعت
في مهجتي لحظات الأعين النجل

وإذا صرعت العين قلب الحبيب يشكو منها لكن العين تتبرأ من ذنبها وتلقي اللوم على القلب فيعود القلب ويلقي باللوم على العين يقول الصولي:
إذا لمت عينيّ اللتين أضرتا
بجسمي قالتا لي لُم القلبا
فإن لمت قلبي قال: عيناك قادت
إليك البلايا ثم تجعل ليا الذنبا؟

والعين هي الملامة في كل الأحوال فهي باب القلب جالبة الأسى له قال أبو تمام:
لأعذبن جفون عيني إنما
بجفون عيني جل ما أتعذب

وتكاد كلمة جرير تكون الشعار في عالم ضحايا العيون فهو يقول معترفا بضعفه أمام نظراتهن:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله أركانا

والعين فيها الداء وفيها الدواء للحبيب فإقبالها دواء وإعراضها داء قال الشافعي:
مرض الحبيب فعدته
فمرضت من حذري عليه
وأتى الحبيب يعودني
فبرئت من نظري إليه

أحيانا تبدي العين ما يضمر في النفس من رغبة لايمكن التفوه أو التصريح بها بالقول:
حبيبي حبيب يكتم الناس أنه
لنا حين ترمينا العيون حبيب
يباعدني في الملتقى وفؤاده
وإن هو أبدى لي البعاد قريب
ويعرض عني والهوى منه مقبل
إذا خاف عينا أو أشار رقيب
فتخرس منا ألسن حين نلتقي
وتنطق منا أعي وقلوب

وقال آخر:
ونشكو بالعيون إذا التقينا
فيفهمه ويعلم ما أردت
أقول بمقلتي أن مت شوقا
فيوحي طرفه أ قد علمت

ويقول آخر:
كتبت إلى الحبيب بكسر عيني
كتابا ليس يقرؤه سواه
فأخبرني تورد وجنتيه
وكسر جفونه أن قد قراه

أنشد حبيب بن المعتز:
قد صاد قلبي قمر
يسحر منه النظر
ضعيفة أجفانه
والقلب منه حجر
كأنما ألحاظه
من فعله تعتذر

قال شاعر:
إني رحلت إلى عينيك أطلبها
إما الممات وإما العود منتصرا
كل القصائد من عينيك أقبسها
ما كنت دونهما في الشعر مقتدرا
صارت عيونك ألحانا لأغنيتي
والقلب صار لألحان الهوى وترا

قال الأخطل الصغير:
تعجب الليل منها عندما برزت
تسلسل النور في عينيه عيناها
فظنها وهي عند الماء قائمة
منارة ضمها الشاطي وفداها

قال محمد ياسر الأيوبي:
لأجل عينيك يحلو الصبر والسهر
ويورق الصخر أشواقا وينفطر
ترقرقت أعين كالفجر مشرقة
بلون عينيك لم تحلم بها الصور
سنلتقي ذات يوم بعد غربتنا
والقلب في عيده إذ يرفل العمر

وقال الأخطل الصغير:
شكت فقرها فبكت لؤلؤا
تساقط من جفنها وانتثر
فقلت وعيني على دمعها
أفقر وعندك هذي الدرر

قال ابن المعتز:
لها من طرفها لحظات سحر
تميت بها من وتحيي من تريد
وتسبي العالمين بمقلتيها
كأن العالمين لها عبيد

قال شاعر:
لا تحارب بناظريك فؤادي
فضعيفان يغلبان قويا

وبذلك عندما يستحيل وصال الأحبة لا يجدون سبيلا للتعبير عن جواهم وما يخالجهم سوى العيون وما تحمله من مراسيل الهوى فلغة العيون من أبلغ اللغات وأكثرها صدقا وجمالا.

ليست هناك تعليقات: